السبت، 20 ديسمبر 2014

محاولتهم تصوير قضية فدك بأنها خلاف فقهي محض !

محاولتهم تصوير قضية فدك بأنها خلاف فقهي محض !

كتب المدعو محب أهل البيت في شبكة الساحة الإسلامية ، بتاريخ 4-5-1999، الثامنة مساءً ، موضوعاً بعنوان ( فدك بين أبو بكر الصديق والسيدة فاطمة - مناقشة علمية ) ، ونشره في شبكات عديدة مثل شبكة الجارح وسحاب ، وقد أجاب عليه الشيعة لكن أكثر إجاباتهم حذفت !
قال: أرض فدك، قرية في الحجاز كان يسكنها طائفة من اليهود، ولما فرغ الرسول عليه الصلاة والسلام من خيبر، قذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب، فصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله على فدك ، فكانت ملكاً لرسول الله صلى الله عليه وآله ، لأنها مما لم يُوجف عليها بخيل ولا ركاب . ورغم أن خلاف الخليفة أبو بكر مع السيدة فاطمةرضوان الله عليهما كان خلافاً سائغاً بين طرفين يملك كل منهما أدلة على رأيه ، إلا أنّ حساسية البعض من شخصية أبي بكر تجعله ينظر إلى الأمور بغير منظارها فتنقلب الحبة إلى قبة. ولو أننا استبدلنا شخصيات القصة ( أبا بكر وفاطمة ) بفقيهين من الشيعة مثلاً أو مرجعين من مراجعهم لكان لكل طرف منهما مكانته وقدره دون التشنيع عليه وإتهام نيته ، ولكانت النظرة إلى رأي الطرفين نظرة احترام وتقدير على اعتبار وجودنصوص وأدلة يستند إليها الطرفين في دعواهما وإن كان الأرجح قول أحدهما . لكن أمام أبي بكر وفاطمة الأمر يختلف ، فأبو بكر عدو للشيعة ومادام عدواً فكل الشر فيه وكل الخطأ في رأيه، هكذا توزن الأمور! توزن بميزان العاطفة التي لا تصلح للقضاء بين متنازعين فكيف بدراسة أحداث تاريخية ودراسة تأصيلها الشرعي ! لكن المنصف الذي لا ينقاد إلى عاطفته بل إلى الحق حيث كان ، يقف وقفة تأمل لذاك الخلاف ليضع النقاط على الحروف .
فأرض فدك هذه لا تخلو من أمرين : إما أنها إرث من النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة رضوان الله عليها ، أو هي هبة وهبها رسول الله لها يوم خيبر . فأما كونها إرثاً فبيان ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله جاءت فاطمة رضوان الله عليها لأبي بكر الصدّيق تطلب منه إرثها من النبي عليه الصلاة والسلام في فدك وسهم النبي صلى الله عليه وآله من خيبر وغيرهما. فقال أبو بكر الصدّيق: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ( إنّا لا نورّث ، ما تركناه صدقة ) وفي رواية عند أحمد ( إنا معاشر الأنبياء لا نورّث ) (39) ، فوجَدَت (32) فاطمة على أبي بكر . بينما استدلت رضوان الله عليها بعموم قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين (39) . ولنكن حياديين هاهنا ولننس أنّ المطالب بالإرث امرأة نحبها ونجلها لأنها بنت نبينا وأنّ لها من المكانة في نفوسنا وعند الله عز وجل ما لها ، لنقول : كلام محمد عليه الصلاة والسلام فوق كلام كل أحد ، فإذ صح حديث كهذا عن رسول الله فلا بد أن نقبله ونرفض ما سواه ، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا نلوم أبو بكر على التزامه بحديث رسول الله وتطبيقه إياه بحذافيره ؟! لقد صح حديث ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ) عند الفريقين السنة والشيعة ، فلماذا يُستنكر على أبي بكر استشهاده بحديث صحيح ويُتهم بالمقابل باختلاقه الحديث لكي يغصب فاطمة حقها في فدك ؟!!
أما صحته عند أهل السنة فهو أظهر من أن تحتاج إلى بيان ، وأما صحته عند الشيعة فإليك بيانه : روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قوله : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( ... وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ) (39) . قال عنه المجلسي في مرآة العقول 1/111 : الحديث الأول ( أي الذي بين يدينا ) له سندان الأول مجهول، والثاني حسن أو موثق لايقصر عن الصحيح، فالحديث إذاً موثق في أحد أسانيده ويُحتج به ، فلماذا يتغاضى عنه علماء الشيعة رغم شهرته عندهم؟! والعجيب أن يبلغ الحديث مقدار الصحةعند الشيعة حتى يستشهد به الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية على جواز ولاية الفقيه فيقول تحت عنوان صحيحة القداح : ( روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن القداح ( عبدالله بن ميمون ) (89) عن أبي عبدالله عليه السلام قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من سلك طريقاً يطلب فيه علماً ، سلك الله به طريقاً إلى الجنة… وإنّ العلماء ورثة الأنبياء ، إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ) . ويعلق على الحديث بقوله ( رجال الحديث كلهم ثقات ، حتى أنّ والد علي بن إبراهيم ( إبراهيم بن هاشم ) من كبار الثقات ( المعتمدين في نقل الحديث ) فضلاً عن كونه ثقة ) (67) . ثم يشير الخميني بعد هذا إلى حديث آخر بنفس المعنى ورد في الكافي بسند ضعيف فيقول: (وهذه الرواية قد نقلت باختلاف يسير في المضمون بسند آخر ضعيف، أي أنّ السند إلى أبي البختري صحيح لكن نفس أبي البختري ضعيف والرواية هي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد عن أبي البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( إنّ العلماء ورثة الأنبياء وذاك أنّ الأنبياءلم يورّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم … ) (39) . إذاً حديث ( إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم ) صحيح . كما بيّن ذلك الخميني والمجلسي من قبله ، فلماذا لا يؤخذ بحديث صحيح النسبة إلى رسول الله مع أننا مجمعين على أنه لا اجتهاد مع نص ؟! ولماذا يُستخدم الحديث في ولاية الفقيه ويُهمل في قضية فدك ؟! فهل المسألة يحكمها المزاج ؟!
إنّ الاستدلال بقول الله تبارك وتعالى عن زكريا عليه السلام : فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب، على جواز توريث الأنبياء لأبنائهم استدلال غريب يفتقد إلى المنطق في جميع حيثياته، وذلك لعدة أمور: أولاً : لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولداً لكي يرث ماله فكيف نرضى أن ننسب ذلك لنبي كريم كزكريا عليه السلام في أن يسأل الله ولداً لكي يرث ماله ، إنما أراد زكريا عليه السلام من الله عز وجل أن يهب له ولداً يحمل راية النبوة من بعده ، ويرث مجد آل يعقوب العريق في النبوة .
ثانياً : المشهور أنّ زكريا عليه السلام كان فقيراً يعمل نجاراً ، فأي مال كان عنده حتى يطلب من الله تبارك وتعالى أن يرزقه وارثاً ، بل الأصل في أنبياء الله تبارك وتعالى أنهم لا يدخرون من المال فوق حاجتهم بل يتصدقون به في وجوه الخير .
ثالثاً : إنّ لفظ ( الإرث ) ليس محصور الاستخدام في المال فحسب بل يستخدم في العلم والنبوة والملك وغير ذلك كما يقول الله تعالى ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا )(39) وقوله تعالى ( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون )(39) فلا دلالة في الآية السابقة على وراثة المال .
رابعاً : حديث ( إنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم ) الذي ذكرناه آنفاً يتضمن نفي صريح لجواز وراثة أموال الأنبياء ، وهذا كاف بحد ذاته . وكذلك الحال في قوله تعالى : وورث سليمان داود، (39) فإنّ سليمان عليه السلام لم يرث من داود عليه السلام المال ، وإنما ورث النبوة والحكمة والعلم لأمرين إثنين : الأول : أنّ داود عليه السلام قد اشتُهر أنّ له مائة زوجة وله ثلاثمائة سريّة أي أمة ، وله كثير من الأولاد فكيف لا يرثه إلا سليمان عليه السلام ؟! فتخصيص سليمان عليه السلام حينئذ بالذكر وحده ليس بسديد .
الثاني : لو كان الأمر إرثاً مالياً لما كان لذكره فائدة في كتاب الله تبارك وتعالى ، إذ أنّه من الطبيعي أنّ يرث الولد والده ( والوراثة المالية ليست صفة مدح أصلاً لا لداود ولا لسليمان عليهما السلام فإنّ اليهودي أو النصراني يرث ابنه ماله فأي اختصاص لسليمان عليه السلام في وراثة مال أبيه !! والآية سيقت في بيان المدح لسليمان عليه السلام وما خصه الله به من الفضل وإرث المال هو من الأمور العادية المشتركة بين الناس كالأكل والشرب ودفن الميت، ومثل هذا لا يُقص عن الأنبياء ، إذ لا فائدة فيه ، وإنما يُقص ما فيه عبرة وفائدة تُستفاد وإلا فقول القائل ( مات فلان وورث فلان ابنه ماله) مثل قوله عن الميت (ودفنوه) ومثل قوله ( أكلوا وشربوا وناموا) ونحو ذلك مما لا يحسن أن يُجعل من قصص القرآن ) (93)
وأعجب من هذا كله حقيقة تخفى على الكثيرين ، وهي أنّ المرأة لا ترث في مذهب الشيعة الإمامية من العقار والأرض شيئاً ، فكيف يستجيز الشيعة الإمامية وراثة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك ، وهم لا يُورّثون المرأة العقار ولا الأرض في مذهبهم ؟!! فقد بوّب الكليني باباً مستقلاً في الكافي بعنوان ( إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً ) روى فيه عن أبي جعفر قوله : (النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً ) (34). وروى الطوسي في التهذيب والمجلسي في بحار الأنوار عن ميسر قوله (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النساء ما لهن من الميراث ، فقال : لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما ) (39) وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً ) (39) وعن عبد الملك بن أعين عن أحدهما عليهما السلام (39) قال : ( ليس للنساء من الدور والعقار شيئاً ) .
كما أنّ فدك لو كانت إرثاً من النبي صلى الله عليه وآله لكان لنساء النبي ومنهن عائشة بنت أبي بكر وزينب وأم كلثوم بنات النبي حصة منها ، لكن أبا بكر لم يعطِ ابنته عائشة ولا أحد من نساء النبي ولا بناته شيئاً استناداً للحديث ، فلماذا لا يُذكر هؤلاء كطرف في قضية فدك بينما يتم التركيز على السيدة فاطمة وحدها ؟!! هذا على فرض أنّ فدك كانت إرثاً من رسول الله صلى الله عليه وآله أما إذا كانت فدك هبة وهدية من رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة رضوان الله عليها كما يروي ذلك الكاشاني في تفسيره الصافي 3/186 ، فالأمر يحتاج إلى وقفة أخرى أيضاً فعلى فرض صحة الرواية والتي تناقضها مع روايات السنة والشيعة حول مطالبة السيدة فاطمة رضوان الله عليها لفدك كأرث لا كهبة من أبيها، فإننا لا يمكن أن نقبلها لاعتبار آخر ، وهو نظرية العدل بين الأبناء التي نص عليها الإسلام. إنّ بشير بن سعد لمّا جاء رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني قد وهبت ابني حديقة واريد أن أُشهدك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : أكُلّ أولادك أعطيت ؟ قال لا ، فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه ( إذهب فإني لا أشهد على جور ) (39) فسمّى النبي صلى الله عليه وآله تفضيل الرجل بعض أولاده على بعض بشئ من العطاء جوراً ، فكيف يُظن برسول الله صلى الله عليه وآله كنبي معصوم لا يشهد على جور أن يفعل الجور ( عياذاً بالله ) ؟! هل يُظن به وهو أمين من في السماء أو يجور في أمانة أرضية دنيوية بأن يهب السيدة فاطمة فدك دون غيرها من بناته ؟! فكلنا يعرف أنّ خيبر كانت في السنة السابعة من الهجرة بينما توفيت زينب بنت رسول الله في الثامنة من الهجرة ، وتوفيت أم كلثوم في التاسعة من الهجرة ، فكيف يُتصور أن يُعطي رسول الله فاطمة رضوان الله عليها ويدع أم كلثوم وزينباً ؟!!
والثابت من الروايات أنّ فاطمة رضوان الله عليها لمّا طالبت أبو بكر بفدك كان طلبها ذاك على اعتبار وراثتها لفدك لا على أنها هبة من رسول الله صلى الله عليه وآله . ولذا فإنّ فدك لم تكن لا إرثاً ولا هبة ، وهذا ما كان يراه الإمام علي نفسه إذ أنه لمّا استُخلف على المسلمين لم يعط فدك لأولاده بعد وفاة أمهم فاطمة بحيث يكون له الربع لوجود الفرع الوارث ، وللحسن والحسين وزينب وأم كلثوم الباقي ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) وهذا معلوم في التاريخ، فلماذا يُشنع علىأبي بكر في شئ فعله علي بن أبي طالب نفسه؟! بل يروي السيد مرتضى ( الملقب بعلم الهدى ) في كتابه الشافي في الإمامة عن الإمام علي ما نصه ( إنّ الأمر لمّا وصل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام كُلّم في رد فدك ، فقال: إني لأستحيي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر ) (2) .
وماكدت أشرف على إغلاق ملف قضية فدك ومناقشة أدلتها حتى وقعت على رواية طريفة تُعبر بالفعل عن المأساة الحقيقة التي يعيشها من يريدون القدح بأبي بكر بأي طريقة كانت ( شرعية وغير شرعية ) !!
روى الكليني في الكافي عن أبي الحسن قوله ( ورد على المهدي ورآه يردّ المظالم . فقال : يا أمير المؤمنين ! ما بال مظلمتنا لا تُرد ؟ فقال له : وما ذاك يا أبا الحسن ؟ قال : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا فتح على نبيه صلى الله عليه وآله فدك... فقال له المهدي : يا أبا الحسن حدّها لي . فقال : حد منها جبل أحد ، وحد منها عريش مصر ، وحد منها سيف البحر ، وحد منها دومة الجندل ) . (29) فأين أرض في خيبر من مساحة كهذه ؟!!
ألهذا الحد يُستخف بعقول الناس ؟!!
وكتب أويس بتاريخ 4-5-1999 ، العاشرة ليلاً :
أسأل الله أن ينفعنا بهذا ويهدي بهذا البيان طالبي الحق من الشيعة .. آمين.
وكتب شامس 22 أيضاً في 12-5-1999 ، السادسة صباحاً :
جزاك الله خير على هذا الكلام الطيب .
وكتب محب أهل البيت بتاريخ 12-5-1999 ، السابعة صباحاً :
الأخ شامس . جزاك الله خير .
هذه المقالة تعتمد على حديث في الكافي صححه المجلسي في مرآة العقول والخميني في الحكومة الاسلامية . والمطلوب من الشيعة الرد ، خصوصاً وإني لم أجلب حديث مكذوباً أو ضعيفاً عندهم . فلماذا تتهمون أبا بكر رضوان الله عليه بغصبه فدك ، مع أن دليله مجمع على صحته بين السنة والشيعة !!
ثم سؤالي هو : هل يرى الشيعة أن إغضاب السيدة فاطمة لايجوز ، وإغضاب رسول الله جائز ؟!! إن الاستدلال بحديث (يغصبني مايغضبها) في واقعة فدك غير ملائم. لأن اغضاب فاطمة رضوان الله عليها مشروط بعدم إغضاب الله ورسوله أولاً ، والسيدة فاطمة لم يصلها الحديث وظنت أنه غير صحيح في بادئ الأمر .
وكتب شامس 22 بتاريخ 12-5-1999 ، الخامسة مساءً :
أين الرد يا شيعة يا سادة يا محترمين ؟
وكتب سماحة بتاريخ 22-5-1999 ، الثامنة مساءً :
الشيعة يردّون ، ولكن تحذف ردودهم بسرعة !!!
وكتب العاملي بتاريخ 5-5-1999 ، العاشرة صباحاً :
فدك ليست هي القضية .. بل رمز لقضية الخلافة :
إن موقف الزهراء عليها السلام من خلافة أبي بكر وعمر يتضمن عدة قضايا ، لابد أن نوضح حدود كل واحدة منها أولاً ، تحديداً شرعياً وقانونياً ثم نبحثها . ولا يصح أن نصادر المسألة ، ونصورها على أنها مسألة مطالبة من الزهراء عليها السلام بمزرعة فدك ، وأن أبا بكر أجابها بأن الأنبياء مستثنون من قانون الإرث الشرعى ، وانتهى الأمر ! !
وأهم القضايا التي تضمنها موقف الزهراء هي :
القضية الأولى : أن الزهراء أدانت بيعة السقيفة ، واتهمتهم بأنهم خالفوا الرسول صلى الله عليه وآله ونكثوا بيعة علي فى يوم الغدير ، وانقلبوا على أعقابهم ! وكان موقفها نفس موقف علي والعباس وعدد كبير من المهاجرين والأنصار الذين امتنعوا عن البيعة وأدانوا السقيفة ، وكانوا مجتمعين فى بيت علي وفاطمة ، في مراسم تعزية أهل البيت بالنبي (ص) ، فهاجمهم عمر وجماعته بأمر أبي بكر لا لكي يعزوهم ، بل ليهددوهم إما أن يبايعوا وإما أن يحرقوا عليهم
الدار !! وبالفعل أحرقوا باب الدار الخارجي وضربوا فاطمة الزهراء ، التي خرجت في محاولة لمنع الاصطدام بينهم وبين المعتصمين داخل الدار ، وهي تأمل أن يوقفوا الهجوم ويحترموا بنت نبيهم ، وهي في اليوم الثاني من مصيبتها بفقد أبيها (ص) !!
ثم قامت الزهراء بعدة أعمال لنصرة الامام الشرعي علي (ع) وإفشال المؤامرة .. ومن ذلك أنها ذهبت مع علي وأولادهما الى بيوت زعماء الأنصار تذكرهم ببيعتهم لعلي يوم الغدير ، وبأنهم بايعوا النبي (ص) بيعة العقبة على أن يحموه وأهل بيته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم !! ثم قامت بإعلان تحريم بيعة أبي بكر ، والدعاء عليه وعلى عمر .. ثم خطبت خطبتها التاريخية في مسجد النبي (ص) بحضور جمع كبير من المسلمين ، وأدانت خلافة أبي بكر وعمر ثم لما صادروا منها مزرعة فدك، أدانت عملهم وطالبت بها وبما صادروه من إرثها من النبي (ص) .
ثم قاطعت أبا بكر وعمر ولم تكلمهما الى آخر حياتها ، وأدارت وجهها عنهما ولم تكلمهما بحرف عندما جاءا الى زيارتها واعتذرا عن مهاجمة بيتها! فهذه القضية فيها عدة مسائل عقيدية وفقهية ...
منها : هل أن فاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة ، ولا يمكنكم أن تقولوا إنها أخطأت لأنها لم تبايع أبا بكر ، وماتت ميتة جاهلية ، لأن من مات وليس في عنقه بيعة مات موتة جاهلية ؟!
ومنها : هل تكون بيعة أبي بكر وعمر بيعة شرعية ، بعد أن شهدت سيدة نساء أهل الجنة بأنها خيانة ؟!
ومنها : لماذا أوصت فاطمة وأصرت على أن تدفن خفية ، ولا يشارك في جنازتها أبو بكر ولا عمر وأنصارهما ؟!! ومنها .. ومنها . . . الخ .
القضية الثانية: موقف السلطة من المنح التى كان أعطاها الرسول للمسلمين في حياته صلى الله عليه وآله ، وهي إقطاعات كثيرة وردت تسمياتها فى مصادر السيرة والفقه ، وقد تركتها السلطة بأيدي أصحابها ولم تصادر منها شيئاً .. بينما صادرت كل ما كان أعطاه لأهل بيته خاصة ، وعمدة ذلك مزرعة فدك من يد فاطمة وعلي !!
القضية الثالثة : موقف السلطة من التشريع الاسلامى المجمع عليه ، الذي يحرم الصدقات والزكوات على أهل بيت الرسول (ص) ، ويشرع لهم بدلها الخمس .. فلماذا حرمت السلطة أهل بيت النبي (ص) من حقهم الشرعي في ميزانية الدولة ، وجعلتهم بلا مورد من الخمس والزكاة ؟!!
فمسألة فدك أيها الأخ ، إنما هي مفردة واحدة من سياسة الدولة الاقتصادية في اضطهاد أهل بيت نبيهم بمجرد رحيله الى ربه !! ثم مفردة من سياستهم الكلية ، التي بدأت بترك جنازة النبي بين أيدي أهل بيته ، وتشكيل اجتماع السقيفة بدون مشورتهم، ولا دعوتهم اليه، ولا إخبارهم به !! ثم بإجبارهم على الاختيار بين بيعة أبي بكر أو إحراق بيتهم عليهم أو قتلهم !! بالله عليك لوأن بلداً في عصرنا أجرى انتخابات وأجبر الناخبين على انتخاب مرشحه الوحيد ، تحت طائلة الاعدام لكل من يمتنع ، هل يكون ذلك عملاً شرعياً ، وهل تكون رئاسته شرعية ؟! إن الاستثناء الوحيد من الخلفاء الذي أعطى للمسلمين حريتهم فى بيعته وعدمها ، هو علي بن أبي طالب ، وكل من عداه ترافقت بيعته بالاجبار ومصادرة حريات المسلمين ! أما مسألة فدك فهى تشمل مسائل عديدة أيضاً :
المسألة الأولى : هل أن مزرعة فدك إرث أم أنها كانت منحة أعطاها النبي ( ص ) فى حياته لفاطمة واستلمتها وجعلت عليها وكيلاً واستغلتها سنة أو سنتين في حياة النبي ؟!! نحن نثبت أنها كانت بيدها ، واليد على الشئ علامة الملكية فى الشريعة الاسلامية ، وفي كل قوانين الدنيا ، وأن أبا بكر صادرها ، وعليه هو أن يأتى ببينة على جواز مصادرة ملكية شرعية صحيحة تحت يد مالكها ، حتى لو كان هذا شخصاً عادياً وليس بنت أعظم رسول(ص) التي نزل الوحي عليه بأنها سيدة نساء العالمين؟!
ومن العجيب أن سياسة أبي بكر كانت بمكيالين ، فلم يصادر شيئاً من المنح وإقطاعات الأراضي التي كان منحها الرسول ( ص ) لكثيرين في المدينة وخارجها ، بل أبقاها في أيديهم ، ولم يطالبهم بدليل إثبات عليها كما طالب فاطمة ؟!!!
الثانية: أن القرآن ينص على قانون الإرث ، وتشريعات الاسلام عامة شاملة للرسول وغيره ، إلا ماخرج منها بدليل ، مثل حق الرسول فى الزواج بأكثر من أربع زوجات .. فأين الدليل هنا على استثناء الرسول (ص) من قانون الإرث ؟! إنه لايوجد دليل إلا مارواه أبو بكر وأجاب به فاطمة الزهراء ! ولم يروه أحد غيره من المسلمين أبداً !! حتى أن الهيثمى اعترف فى مجمع الزوائد مجلد 9 ص 40 ، بأن روايتهم الأخرى للحديث عن غير أبي بكر وهي في الطبراني الأوسط في طريقها (الفيض بن وثيق ) وهو كذاب ! ولهذا السبب تجد بحثاً في علم الأصول اسمه: (هل يجوز نسخ القرآن أو تحصيصه بخبر الواحد ؟ ) لأن رواي النسخ أو التخصيص لتشريع الإرث هو أبو بكر وحده !! وهنا يحق للمسلم أن يسأل : هل يعقل أن النبي (ص) لم يخبر أهل بيته ولا أحداً من المسلمين بأن الأنبياء مستثنون من قانون الإرث وخص بذلك أبا بكر وحده فقط وفقط ؟!
أم هل يعقل أن فاطمة عليها السلام تعرف ذلك وتطالب بما ليس لها بحق وتريد أن تطعم أولادها المال الحرام وفي طليعتهم سيدا شباب أهل الجنة ؟!! أو تريد أن تسرق لهم من أموال المسلمين ؟!!
إن كل واحد من هذه المسائل والقضايا فيها بحوث.. فأرجو أن تقرأ أكثر، ولا تستعجل بالأحكام .. ولاتخلط بين إرث الزوجة من الأرض وإرث البنت !! ولابين عدم اهتمام الأنبياء بالتوريث المادي الوارد في رواياتنا وبين تحريم توريثهم ماتركوه لورثتهم ، ومصادرة ماكانوا وهبوه لهم!! وأضيف لك: إن من الأدلة الواضحة على أن مطالبة الزهراء عليها السلام بفدك كانت رمزاً للخلافة :
أولاً : أنها وجميع المسلمين يعرفون أنها أول أهل بيت النبي لحوقاً به، وذلك بإخبار النبي إياها ، ومن كانت بهذا المقام والحالة ، ماذا تصنع بفدك وغير فدك .
ثانياً : أن سبب تشدد أبي بكر وعمر في ردها وتكذيبها ورد شهودها، أنهما خافا إن أعطياها اليوم فدكاً وقبلا أنها صادقة لا تكذب ، كما شهدت عائشة ، فقد تطالبهما غداً بالخلافة وتشهد أن علياً وصي النبي الشرعي الرسمي من يوم الغدير ، وأنهما خانا الله ورسوله !!
ثالثاً : عندما سأل هارون الرشيد الامام الكاظم عليه السلام عن حدود فدك ليرجعها لهم ، أجابه بأن حدودهاحدود الدولة الاسلامية كلها ! وليتك فهمت قصد الإمام الكاظم عليه السلام بدل أن تهزئه وتسخر منه ! بل ليت هارون الرشيد سلَّم الخلافة المغصوبة الى أهل البيت النبوي المطهرين ، إذن لتغير مسار التاريخ ، ولما ضيعها أولاد هارون حتى وصلت الى السلاجقة والمماليك ، ثم الى العثمانيين وانتهت بذلةعلى أيديهم في استانبول، وصارت بلاد المسلمين بأيدي الغربيين والشرقيين !!
قال العاملي : قامت شبكتهم بحذف هذا الرد وغيره وأبقت الموضوع!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق